قراءة في أحدث العروض الأمريكية لمسرحية ميللر "كلهم أبنائي"، مجلة المسرح، عدد ديسمبر 2025.
يحتوي العدد على مقالتي عن أحدث العروض الأمريكية لمسرحية "كلهم أبنائي" لآرثر ميللر؛ حيث تعد مسرحية "كلهم أبنائي" التي عُرضت بمسرح ويندهام في خريف عام ٢٠٢٥ منعطفًا حاسمًا في تاريخ تلقي كلاسيكية آرثر ميلر، حيث استطاع المخرج إيفو فان هوف أن يقدم رؤيةً تجريديةً تتجاوز النمط التقليدي للواقعية الاجتماعية. وبالرغم من أن حضور النجم براين كرانستون كان مغناطيسًا جاذبًا للجمهور، فإن العمل في جوهره جاء إعادة تشكيلٍ مفجعةً تكشف عن العصب المأساوي العاري للقصة بعد تجريدها من كافة الزوائد المنزلية المعتادة، ليتحول العرض من مجرد وسيلة لظهور نجمٍ لامعٍ إلى تحفةٍ فنيةٍ تصرخ بوجه المشاهدين.
وقد أحدث المخرج تغييرًا جذريًّا في اللغة البصرية للعرض، مستبدلًا بالفناء الخلفي الواقعي خشبة مسرحٍ موحشةٍ في عريها تهيمن عليها كرةٌ ضوئيةٌ تتبدل ألوانها للدلالة على مرور الزمن. كما تخلى العرض عن الفواصل التقليدية مقدمًا تجربةً شعوريةً متصلةً تستغرق ساعتين وخمس دقائق دون انقطاع، مع استخدام مؤثرٍ بصريٍّ مبهرٍ لبتلاتٍ حمراء تتساقط كوابلٍ من الدم، بالإضافة إلى توظيف أغانٍ معاصرةٍ لكسر الانغماس التاريخي وتأسيس حالةٍ من الشجن الإنساني العام.
وفيما يخص الأداء التمثيلي، فقد قدم براين كرانستون شخصية جو كيلر بأسلوبٍ يتسم بالدفء الودود الذي يربط وطنيته الدفاعية بالشعبوية الاستقطابية في السياسة الأمريكية الحديثة، بينما حولت ماريان جان بابتيست دور الأم كيت إلى قوةٍ عنيدةٍ من قوى الطبيعة تواجه العاصفة بإرادةٍ شرسةٍ. كما أضفى بابا إيسيدو طاقةً كهربائيةً وغضبًا أخلاقيًّا حادًا على دور الابن كريس؛ الأمر الذي جعل العرض بطولةً جماعيةً بامتياز تبرز الجانب المظلم من الحلم الأمريكي، وتترك أثرًا يبقى عالقًا في الأذهان طويلًا بعد الإظلام الأخير.
#نقاش_دوت_نت
كلهم أبنائي، آرثر ميللر، مسرح ويندههام، براين كرانستون، بابا ايسيدو
