من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

رؤية ذائقية لقصة "السور " للأديبة رانية المهدي

إيمان العسال
رؤية ذائقية لقصة

       


في عالم لا تحكمه القوانين المنطقية تتوارى الحقيقة خلف أقنعة الخيال وتتداخل الرموز لتُسقط الواقع على الوهم ، فلا تُروى الأحداث بقدر ما تُشفر 

نحن اليوم أمام قصة تحمل طابع فلسفي في المقام الأول ،لما تحمله من رموز واسقاطات صاغتها الكاتبة بأسلوب أدبي وبلغة بسيطة . قصة اعلنت عن الوعي والهوية المشوهة ، والحدود العقلية والثقافية بل والاجتماعية التي تفصل مَن يري عن مَن يُقاد . حين يتداخل الرمز بالخيال في سياق أدبي تتجلى فانتازيا الابداع .

بقصة السور للكاتبة رانية المهدي ، كل كلمة وظفت في مكانها المناسب بما تحمله من رموز لنرى القصة وكأنها تابلوه ، من الوهلة الأولى ادركت أن للقصة بطلة ليس بطلًا رغم عدم التصريح إلا من بعض الكلمات التي تناسب مشاعر الأنثى " انزويت ، عفت نفسي عن الطعام " وهى لغة تميل للحساسية المُفرطة ، ليس هذا فحسب بل الحساسية العالية تجاه القذارة والخجل من التغير الجسدي فهو أقرب لصوت أنثوي داخلي .

بدأت الكاتبة القصة " دفعني للخلف بقوة ليمنح نفسه مساحة أكبرعلى طاولة الطعام "

لم تُفصح عن الفاعل في البداية لتمنح للقارىء فرصة للتأمل والتساؤل مَن هذا ؟ وما الدافع لفعله؟ فربما لم يكن الذي دفعها شخصًا ، بل قوة أكبر " قد يكون النظام ، المجتمع ، العرف ، او حتى القطيع الذي رأته بعد ذلك " 

لقد أثارت الغموض والتشويق فغذت بذلك الصراع الموجود بالقصة .  

ثم بدأت بوصف مَن رأت ! 

الناس الموجودة تمشي على أربع ، لهم ذيول وحوافر ، الطعام قذر " الذي اختزل رمزيته في كل ما هو غير اخلاقي " . لقد بدأت تستغرب نفسها وهى بينهم ، لا أن تستغربهم ، وهذا ما جعل النص أعمق لتفرض الأسئلة نفسها هل حقًا نرى أنفسنا ؟!  

ومتى ندرك أننا فقدنا ملامحنا الأصلية ؟!.  



لقد جعلت القارىء يُفاجأ بتحول البطلة كما تُفاجأ هى . عند النظر لدلو الماء الذي يعد المرآة الحقيقية الذي عكس الحقيقة المشوهة كما هى . وهذا يدل انها تجرعت من نفس الكاس لكن رؤيتها لتلك الحقيقة أثارت الوعي لديها .

لقد وصفت نفسها أنها اصبح لها قرون وذيل رغم أن القطيع لم تذكر ان له قرون ، وهذا ما يجعلنا نتأكد انها دفعت ثمن وعيها بتلك القوة المزيفة فمن المفترض أن قوة الحيوانات تكمن في قرونها . 

الذيل لا للدفاع فهو عائق حركي ، بل رمز الخيبة التي لا يجرُها سواها . 

استخدام السلم الخشبي شبه المتهالك فيه تحذير رمزي ، فالبعض فقط هم مَن يملكون الجرأة للصعود رغم تهالك الوسيلة ، كما أن الرؤية من أعلى ما هى إلا وعى جزئي يسمح فقط برؤية الحقيقة لا الوصول إليها .

عبرت انها تحسرت على صديقها ، عادةً الصديق يشبهنا في الوعي ، الفكر والمبادئ ، لكن الأمورأصبحت نسبية . وأن التحول للقطيع لا يشترط الجهل بل انه يصيب حتى مَن يفهم اللعبة .  

 وضع القرفصاء بالنسبة للحارس ، هو وضع أقرب للحيوانات لكنه ليس من القطيع وأظنه تواضع زائف وانه كان في حالة من الترقب فهو داخل اللعبة وليس خارجها وهو ما يعزز الغموض الذي في سلوكه ، فهو يعرف الباب لكن لا يستخدمه ، يعرف الحقيقة لكنه لا يُفصح بها ، يدعي الحياد بينما يمارس دوره في استمرار القطيع .

الباب على اليمين الباب يمثل الحرية لكن ليست الحرية المطلقة ، فالحرية ليست لمَن يرى الباب بل لمَن يعبره ويتحمل عواقبه " اليمين هنا الطريق القويم " في الدين الإسلامي أصحاب اليمين هم الناجون " أى ان الباب هنا ما هو إلا دعوة للخلاص ، لكن ليس كل مَن يرى الباب يستطيع أن يعبره .

لقد اختزلت الكاتبة فكرة القصة في هذه الجملة " مَن لا يرى ولا يسمع لن ينفعه الصراخ " فهى دعوة لإيقاظ الوعى لتعبر طريق الخلاص .

وأخيرًا نهاية القصة جاءت مفتوحة كي تحفظ للنص الفلسفي توتره ويظل الباب مواربًا ، والأسئلة مُعلقة ، وهو ما يُحسب للكاتبة .

#نقاش_دوت_نت 

تداخل الرموز ، أقنعة الخيال، السور ، الوعي ، الهوية المشوهة