من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

الفصل الثانى (1) من رواية " نور حياتي "

جيهان محمود أحمد
الفصل الثانى (1) من رواية



   تصبب جبين يوسف عرقًا فى غرفة العمليات التى لبث فيها أكثر من ساعتين فى حر "يوليو" جففت الممرضة عرقه، فـامتعض وأزاح رأسه بعيدًا ثم نظر إلى الممرضة الأخرى لتعطيه المقص الطبى، فلم تجبه لشرود أحالها إلى صنم، فنظر إليها مرة أخرى فلم تنتبه إليه مطلقًا فنظر إلى الممرضة التى كانت تجفف عرقه لتعطيه المقص، فمنحته المقص واستمر فى إجراء العملية الجراحية لقلب المريض


   خرج يوسف من حجرة العمليات غاضبًا ينزع اللثام الطبى عن وجهه فى حين بدت الممرضة فزعة تهرب بعينيها منه بعد أن انتبهت إلى ما حدث داخل غرفة العمليات ترتجف، فاقترب يوسف منها معقبًا بغضب يكفى لإعادة سيرة حريق القاهرة:


ــ حجرة العمليات ليست مكانا للشرود؛ المكان الأنسب حديقة الأندلس أو سفينة فى النيل


ــ عفوًا يا دكتور ما هذا الكلام؟!


ــ ماذا تنتظرين منى وأنتِ تشردين داخل غرفة العمليات؟! هل أشكرك و أهديك باقة ورد حمراء لتكتمل الصورة؟!


ــ عفوًا لدىَّ مشكلات كثيرة


ــ إننا ننحى مشكلاتنا بعيدًا حينما ندخل غرفة العمليات؛ أرواح الناس أمانة فى أعناقنا


يقترب منهما الدكتور سعيد شاب ذو شارب أسود بلون شعره ووجهه مستدير.. يلمح الغضب الشديد على وجه يوسف والحرج على وجه الممرضة فيتساءل: 


ــ ماذا حدث يا دكتور يوسف؟


ــ هذه المخلوقة كانت شاردة بحجرة العمليات وتتعلل بمشكلات لديها


ــ لقد اعتذرت إليه يا دكتور سعيد فلم يقبل اعتذارى ونهرنى بعبارات جارحة


ــ اصمتى الاعتذار لايبرر جريمتك، لا أريد أن أراكِ ارحلى


تنصرف الممرضة باكية يربت سعيد على كتف يوسف قائلًا:


ــ لندخل مكتبنا أريد التحدث إليك


ينادى سعيد على رجب العامل فيأتى الفتى مسرعًا:


ــ نعم يا دكتور سعيد


ــ أحضر لى فنجانا من القهوة المضبوط وأحضر ليوسف القهوة باللبن وتعالى بهما إلى مكتبى


ــ أمرك يا دكتور سعيد


يصطحب سعيد يوسف إلى مكتبه ويجلسان فيتأمل سعيد يوسف قائلًا: 


ــ لماذا تنهرها بهذه الحدة يا يوسف؟!


ــ لقد كادت أن تفقدنى صوابى وأنا أجرى الجراحة


ــ لقد أخطأت ولا ريب فى ذلك ولكن هذا لا يستدعى منك كل هذا الغضب، لقد مرت العملية بسلام وكان فى إمكانك لومها دون أن تغضب على هـذا النحو


ــ أنا لاأقتنع بعمل هؤلاء النساء؛ إنهن أصل البلاء فى الحياة لذا ينبغى تطهير الأعمال منهن


ــ النساء والرجال بشر فيهما الالتزام والتقصير على حد سواء


ــ ليس صوابًا؛ الالتزام رجل والتقصير واللا مبالاة امرأة.


ــ من أين جئتَ بهذه الأفكار العجيبة؟!


ــ ألم تُخلق المرأة من ضلع أعوج اكتستبت صفاته وهى سبب اعوجاج الكون


ــ أنت تنسى أمرًا هامًا حينما تصم النساء وتهينهن هكذا


ــ ما هو؟!


ــ إن والدتك كانت امراة


يرمقه يوسف بنظرة غضب فيتحرج سعيد ويعقب:


 ــ عفوًا أنت من أساء إلى المرأة لا أنا، وأنا واثق تمامًا أنها كانت سيدة رائعة لأنها أنجبتك واهتمت بتربيتك حتى صرت طبيبًا رائعًا كما أنت الآن


يشرد يوسف بعيدًا بأسى شديد فينبهه سعيد:


ــ فيم شرودك؟


ــ لاشئ أنا لاأريد الاسترسال فى الحديث عن هذا الموضوع


ــ هذا أفضل؛ أنا أريد التحدث معك فى موضوع آخر


ــ أى موضوع؟


يطرق رجب الباب ثم يدخل حاملًا صينية عليها قهوة مضبوطة يضعها أمام سعيد، ثم يضع القهوة باللبن أمام يوسف وينصرف.. ينظر يوسف إلى فنجان القهوة باللبن متنهدًا ومتحدثًا:


ــ كم أحتاج إلى هذا الفنجان؛ لقد ضاع أثر فنجان الصباح بسبب هذه الغبية


ــ ها أنت تعود بنا إلى الحديث الذى رفضته منذ ثوانٍ قليلة


ــ أعتذر ما الموضوع الذى أردت الحديث عنه؟


ــ مشروع عظيم؛ سيكون بمثابة نقلة كبيرة لنا


يرشف يوسف من القهوة باللبن متسائلًا: "مشروع! نحن أطباء فما علاقتنا بالمشاريع؟!"


ــ وسنظل أطباء


ــ كيف؟! فسر أكثر


ــ لى صديق يملك شقتين متجاورتين بعقار بحى "جاردن سيتى" وسيجعلهما عيادة تضم كل التخصصات، وأخبرنى أنه مشروع سـنجنى منه ربحًا وفيرًا


ــ وما علاقتى بهذا المشروع؟


ــ لقد حدثته عنك وعن شهاداتك التى حصلت عليها من إنجلترا وكفاءتك التى يشهد بها الجميع ويريد أن تنضم إلى المشروع


ــ عرض جيد ولكن ليس لدىَّ وقت أنت تعلم أننى أعمل بالعيادة فى المساء يوميًا إلا يوم الجمعة إجازتى التى أتمسك بها للحصول على قسط من الراحة يمنحنى طاقة الأسبوع المقبل، لقد تعلمتُ هذا فى إنجلترا


ــ يمكنك الاستقالة من عملك هنا فى الصباح كما سأفعل لتشارك فى المشروع


ــ ماذا تقول؟!


ــ يوسف إن الفرصة تأتى مرة واحدة وضياعها يعنى الندم الشديد لأنها لا تعود ثانية


ــ مشروعك هذا ربما يكون فرصة لك ولكنه نكبة على الفقراء


ــ لست أنا من خلقهم فقراء؛ هذه إرادة الله وحكمته


ــ وهل تقتضى حكمته أن ندير ظهورنا إليهم؟!


ــ سيجدون من يعالجهم ولكن لا يعقل أن تضيع كفاءتك الفذة مع هؤلاء فى هذا المكان الردئ


ــ آسف ما تطلبه يتعارض مع قناعاتى وإيمانى بحق الفقير فى العلاج الجيد


ــ هذا الكلام يصلح أمام مكبر صوت فى "المنشية" أو فى صحيفة حكومية تنطق بما تريده هذه الثورة التى تتعدى على قانون الحياة وتريد أن يتساوى جميع البشر


ــ ليس لدى رحابة صدر لأناقش معك ما تفعله حكومة الثورة التى تسخط عليها كما أرفض تمامًا أن أدير ظهرى إلى هؤلاء الفقراء


ــ لولا أنى أعلم أصلك جيدًا لاعتقدت أنك تنتمى إليهم


ــ الانتماء لا تمليه صلة الدم فقط؛ نحن أبناء وطن واحد ينبغى أن يهتم كل منا بالآخر لننعم بالأمان والاستقرار


ــ مازلت متأثرًا بما تسمع من خطب وستضيع كفاءتك مع من لا يستحقون


 أليس لديك طموح؟!


ــ طموحى يتركز فى إجادة مهنتى وانتفاع الآخرين بها ولو كان لدىًّ مال وفير لأقمت مشروعًا كالذى تتحدث عنه من أجل أن ينعم الفقراء بهذه النوعية من الرعاية الطبية


ــ ألست إنسانًا كبقية البشر؟!


ــ ما تعرضه خارج حدود الإنسانية


ــ ستندم حتمًا على هذه الفرصة


عقب يوسف ساخرًا: "لتنعم بفرصتك ولتدع الندم لى"


#نقاش_دوت_نت 



حر يوليو، حريق القاهرة ، ضلع أعوج،