من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

القصة الكاملة لنهاية الفردوس المفقود

منة سالمان
القصة الكاملة لنهاية الفردوس المفقود

‏بدأ مسلسل ضياع الأندلس قبل سقوط غرناطة بقرون. كانت البداية سقوط بامبلونا عام 748م، ثم برشلونة عام 985، فمدينة سنتياغو عام 997، وتلتها ليون عام 1002. وفي عام 1055سقطت سلمنقة، ثم قلمرية عام 1064، ثم مجريط (مدريد) عام 1084، ثم كان السقوط المدوّي لطليطلة بعد محاصرتها 9 أشهر عام 1085


هل التاريخ يعيد نفسه؟


انتشر الإسلام في الأندلس بعد فتحها سنة 92هـ ، وأقام المسلمون فيها دولة استمرت ثمانية قرون، وقد أصبحت هذه الدولة في خلافة عبد الرحمن الناصر (300-350هـ/ 912-961م) من أكثر دول العالم علمًا وتحضرًا ومدنية ورقيًا وقوة وتقدمًا، وعاش بها المسلمون في رغد من العيش؛ حيث الأرض الخصبة، والمياه العذبة، والجنان الخضرة، والمناخ المعتدل، وقد عبر عن ذلك أحد شعرائهم فقال:

يــــا أهـــل أنـدلــــس للــه دركـــــمُ *** ماء وظل وأنهار وأشجـارُ

مـــا جنـــةُ الخلـــدِ إلا فـي دياركـمُ *** ولو تخيرتُ هذا كنتُ أختارُ

لا تحسبوا في غدِ أن تدخلوا سقرًا *** فليس تُدخلُ بعد الجنـةِ النارُ

وكان أبناء الأثرياء في أوربا يتوجهون للدراسة في مدارسها وجامعاتها، وعندما يعودون إلى بلدانهم يفخرون بأنهم تتلمذوا على أيدي علمائها العرب المسلمين، ويتعمدون استعمال كلمات عربية حتى يقال: إنهم متعلمون مثقفون. وكان ملوك وأمراء الممالك النصرانية في شمال إسبانيا يستنجدون بحكام الأندلس في صراعاتهم على الحكم، فتتدخل الجيوش الإسلامية، وتغيِّر واقعهم السياسي، مقابل حصون وأراضٍ يتنازل عنها من تمت مساعدته، مثلما تفعل أمريكا اليوم.


ثم ضعفت دولة المسلمين في الأندلس، وتقلصت تدريجيًّا حتى انحصرت في مملكة غرناطة، ثم سقطت سنة 1492م، بتوقيع آخر ملوكها أبي عبد الله الصغير معاهدة استسلام مهينة مع الملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا، ثم قضى على الوجود الإسلامي في الأندلس نهائيًّا؛ بسبب محاكم التفتيش التي كانت تحرق كل من يثبت أنه لا يزال مسلمًا.


أسباب السقوط:


والسؤال المهم الذي ينبغي الإجابة عنه هو: لماذا سقطت الأندلس وقضي على الوجود الإسلامي فيها بعد ذلك العز والتمكين؟

وأختصر الإجابة عن هذا السؤال بالنقاط الموجزة الآتية:


أولاً: الانحراف عن شرع الله تعالى ومنهجه الإسلامي الصحيح؛ فقد شاع فيها شرب الخمر، حتى إنه لم تُقَم الحدود على شاربيه، كما انتشر اللهو والغناء والطرب والموسيقى والجواري، وكان الأمراء يتنافسون في تقريب المغنين والمغنيات، ويبنون لهم قصورًا قرب قصورهم، ويقيمون لهم المدارس لتعليم الغناء والموسيقى، في الوقت الذي كانت فيه المدن الأندلسية تتساقط وأهلها يُقتلون، ونساؤها يُسبين.


ثانيًا: الترف: أصاب الترف أهل الأندلس وحكامها، فبالغوا في الإنفاق على المسكن والملبس والمأكل، وشغلهم ذلك عن الدفاع عن أرضهم وعرضهم، فهانوا على عدوهم. ويؤكد ابن خلدون أن الترف من أهم أسباب سقوط الدول؛ لأنه يؤدي إلى حب الدنيا والتمسك بالحياة، والعزوف عن الجهاد، ومن يحرص على الحياة لا يدافع عن أرض أو عرض أو دين أو كرامة، فتضيع أرضه وتسقط دولته.

يروى أن ألفونسو ملك الإسبان قال لرسول ابن عباد إليه: "كيف أترك قومًا مجَّانين، تَسَمّى كلُّ واحدٍ منهم باسم خلفائهم وملوكهم وأمرائهم المعتضد والمعتمد والمعتصم والمتوكل والمستعين والمقتدر والأمين والمأمون، وكل واحد منهم لا يَسُلُّ في الذّبِّ عن نفسه سيفًا، ولا يرفع عن رعيته ضيمًا ولا حيفًا، قد أظهروا الفسوق والعصيان واعتكفوا على المغاني والعيدان؟".

ويُروى أن وزيرًا دخل على أحد ملوك الطوائف فوجده حزينًا مغضبًا، فظنَّ أنه غاضب بسبب ما حلَّ بالدويلة المسلمة المجاورة له التي احتلها النصارى فقتلوا رجالها وسبوا نساءها، فقال له: ليس ذلك ما يغضبني، بل المهندس المكلف ببناء قصري الذي لا يلتزم بأمري.


ثالثًا: موالاة أعداء الأمة من الصليبيين، وإحسان الظن بهم؛ فقد أقام حكام الأندلس في عهد الطوائف علاقات حسنة مع الصليبيين، وجاملوهم واستعانوا بهم بعضهم على بعض، ووثقوا بعهودهم. والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها: أن ابن رزين حسام الدولة صاحب شنتمرية حمل الهدايا النفيسة وتوجه بها إلى الملك الإسباني ألفونسو ليهنئه على احتلاله لطليطلة، فجازاه ألفونسو بإعطائه قردًا؛ احتقارًا له، لكن حسام الدولة عدَّ ذلك مفخرة له.

رابعًا: التنازع بين ملوك الطوائف على الدنيا؛ حيث دبَّ النزاع بين مسلمي الأندلس على الدنيا منذ وقت مبكر، فتنازع العرب والبربر، وتنازع اليمانية والقيسية، وتنازع الأشقاء والأقارب على المناصب، وقد أضعف ذلك الصف الإسلامي، وأريقت دماء غزيرة، وقتل من المسلمين في صراعهم الداخلي أضعاف أضعاف ما خسروه في فتح الأندلس وفي صد هجمات النصارى عليها. وكانت أسباب هذه النزاعات دائمًا تافهة؛ فمثلاً وقعت فتنة مدمرة بين اليمانية والقيسية سنة 207هـ في عهد عبد الرحمن الأوسط، سببها أن مضريًّا انتزع ورقة دالية من جنان يماني فقتله اليماني، واستمرت الفتنة التي حاولت السلطة إخمادها سبع سنوات، وسقط فيها آلاف القتلى من المسلمين.

خامسًا: تقاعس كثير من العلماء عن دورهم الدعوي والجهادي والإصلاحي؛ فقد اشتغل كثير منهم في المسائل الخلافية، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، بل إن كثيرًا منهم نافقوا الأمراء والحكام وغضوا الطرف عن نصحهم، وشاركوا في المنكرات، يقول ابن حزم في وصف هؤلاء العلماء: "ولا يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزينون لأهل الشر شرهم، الناصرون لهم على فسقهم".

وبدلاً من دعوة الناس إلى العودة إلى الدين والتمسك به والجهاد والثبات، نجد أحدهم يدعو الناس إلى مغادرة الأندلس؛ إذ يقول عبد الله بن فرج اليحصبي المشهور بابن العسال بعد سقوط طليطلة في يد النصارى سنة 475هـ:

يـــا أهــل أنــدلــس حثـوا مَطيَّكــُمُ *** فما المقام بها إلا مـن الغلــطِ

الثوب يُنسلُ من أطرافـه وأرى ** ثوب الجزيرة منسولاً من الوسـطِ

ونحن بيـن عـــدو لا يفــارقنـا *** كيف الحياة مع الحيات في سفـطِ


....ذكري سقوط الاندلس......

في ذكرى سقوط الأندلس 2 يناير 1492

الأندلس عشق لا ينتهي


في مدخل الحمراء كان لقاؤنا

                     ماأطيب اللقيا بلا ميعادِ

عينان سوداوان في محجريهما

                    تتوالد الأبعاد من أبعادِ

سألتها؟ هل انتِ اسبانيه

                    قالت وفي غرناطة ميلادي

غرناطة وصحت قرون سبعة

                    في تلك العينين بعد رقادِ

وبنى أمية رآياتها مرفوعة

                     وجيادها موصولة بجيادِ

ما أغرب التاريخ كيف اعادني

                     لحفيدة سمراء من احفادي

وجه دمشق رأيت خلالها

                     أجفان بلقيس وجياد سعادِ

ورأيت منزلنا القديم وحجرةً

                     كانت بها أمي تمد وسادي

والياسمينة رصعت بنجومها

                     والبركة الذهبية الانشادِ

ودمشق أين تكون قُلت ترينها

                      في شعرك المُنساب نهر سوادي

في وجهك العربي في الثُغر الذي

                      مازال مُختزناً شموس بلادي

في طيب جنات العريف ومائها

                       في الفُل في الريحان في الاكباد

سارت معي والشعر يلهث خلفها

                        كسنابل تُركت بغير حصادِ

يتألق القرط الطويل بجيدها

                         مثل الشموع بليلة الميلادِ

ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي

                         وورائي التاريخ كوم رمادِ

والزخرفات أكاد اسمع نبضها

                          والزركشات على السقوف تنادي

قالت هُنا الحمراء زهو جدودنا

                          فأقرأ على جدرانها امجادِ

امجادها ومسحت جرحاً نازفاً

                           ومسحت جرحاً ثانياً بفؤادي

ياليت وارثتي الجميلة أدركت

                           إن الذين عنتهم أجدادي

عانقت فيها عندما ودعتها

                          رجُلاً يُسمى طارق بن زيادِ


..نزار قباني


#نقاش_دوت_نت 

ضياع الأندلس، سقوط غرناطة، محاكم التفتيش