من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

هُنا..

سعيد إبراهيم زعلوك
هُنا..


هُنا…

حيثُ ينشقُّ ليلُ القلبِ إن حضَر،

وتنهضُ الطرقاتُ من خطوي

كأنَّ الأرضَ تُعيدُ إليَّ

ما سقطَ من العُمرْ

في ليلٍ مُنكسِر.

يا ريحُ…

مهلًا،

فالروحُ ما عادَتْ تُطيقُ

مزيدًا من التيه،

ولا القلبُ يحتملُ

سفرًا آخر

بين رمادٍ

وحذَر.


وهُنا…

ألمُّ أسماءً ضاعتْ

كأنَّ الليلَ شَرَّدها

في دربٍ مُحتضِر،

وأُعيدُ ترتيبَ ملامحِها

على صفحةِ ماءٍ

يعرفُ سرّي إذا انكسَر.

يا أيّها الذاهبونَ عنّي…

لا تتركوني في الفجرِ

بلا أثر،

فإنَّ ما تبقّى من العمرِ

ظِلٌّ

يحاولُ أن يكتملَ

قبل أن يَبهَتَ

ويندثِر.


وهُنا…

يسكنُ في العينِ

ماءٌ يتردّدُ قبل السَّفَر،

وأمدُّ كفّي

لا لأطلبَ ما فات،

بل لألمسَ لحظةً

تُشبهُ ما يُقالُ

حينَ تتنفّسُ الرُّوحُ

بعد طولِ قهَر.

يا حُلمي…

إن تأخَّرتَ هذه الليلة،

فلا بأس،

يكفيني أنَّكَ تأتي

إذا انطفأ الضوءُ

وتاهَ السَّمَر.


وهُنا…

أسمعُ وقعَ خطاي

تتردّدُ مثلَ سؤالٍ

لم يجرؤ أحدٌ يومًا

على أن يَذكُر،

وأرى الطيفَ

يمرُّ على النافذةِ

كأنَّهُ يختبرُ قلبي

هل ما زالَ يفتحُ بابَهُ

للنُّور

أم ضاقَ بهِ السُّتر.

يا طيفَها…

إن مررتَ بي،

فاهدأ قليلًا،

فالروحُ تُرتّبُ فيك

أمنيةً

تنتظرُ أن تُزهِر.


وهُنا…

أدركتُ أنَّ الجرحَ

نافذةٌ أخرى

تُطلُّ على فجرٍ

يولدُ حينَ ينطفئُ الضَّجَر،

وأنَّ الضوءَ البعيدَ

الذي لمحتهُ

لم يكنْ وهمًا،

بل طفلًا يعودُ

من بكائهِ الأولِ

كي يتعلّمَ

كيفَ يقفُ

حينَ يُكسَر.

يا ضوءَ المدى…

اقتربْ،

فالطريقُ طويلٌ،

والقلبُ

ما عادَ يحتملُ

عُمرًا آخرَ

يضيعُ بلا وِتر.


وختامُ هذا القول…

أنّي وقفتُ هُنا

لا استسلامًا،

بل لأنَّ الرُّوحَ

تعلّمتْ كيفَ تصنعُ

من آخرِ جرحٍ

أوَّلَ انتصَار.

وختامُ هذا الليل…

أنّ ما سقطَ منّا

عادَ ينهضُ فينا

كزهرةٍ

تُخاطبُ الصحراءَ

بابتسامةِ مطَر،

وأنّي—

مهما طالَ التيهُ—

سأعودُ إلى نفسي،

إلى ظلّي الأول،

إلى الطريقِ

الذي يشبهني

حينَ يخرجُ من نارٍ

ويكملُ

السَّفَر.


#نقاش_دوت_نت 

هنا ، سفر آخر، تنهض الطرقات، درب محتضر، ليل منكسر