الفصل الثانى : (3)"دع الشطرنج الليلة"
بملامح حزينة تحدث العجوز إلى يوسف متجهًا إلى الشرفة، ثم ألقى نظرة فى الفضاء المظلم ثم جلس، وأخرج غليونه وأشعله وألقى بعود الثقاب بضيق داخل الطفاية ثم نفث دخان الغليون بغضب استرعى انتباه يوسف، فترك "الشطرنج" ورمقه بدهشة متسائلًا:
ــ ما الأمر يا عمى؟!
ــ اجلـس أود أن أتحدث إليك فى أمر هام
جلس يوسف تسيطر عليه الحيرة بينما كان العجوز يمهد لحديث ثقيل ثم استجمع قوته وقال:
ــ والدتك
ــ من؟!
ــ والدتك تصارع الموت
نهض يوسف غاضبًا وهمَّ بالانصراف فألقى العجوز غليونه فى الأرض صارخًا فى وجهه: "اجلس يا ولد لم أفرغ من حديثى بعد وليس من الأدب أن تتركنى أتحدث وتنصرف"
يبدو الحرج على وجه يوسف فيجلس متسائلًا بغضب: "ماذا تريد منى؟"
ــ تريد أن تراك
ــ ألن تكفَّ عن هذا الطلب؟!
ــ وأنت ألن تكفَّ عن عنادك ورفضك لها؟!
ــ إن رفضى له ما يبرره، أما طلبها فلا مبرر له
ــ ألم تسمعنى؟! إنها تصارع الموت إنها أمك
ــ ألم تكن أمى حينما فعلت بى ما فعلت فى الماضى؟!
ــ كل إنسان يخطئ والأرض لا تأوى الملائكة
ــ وكل إنسان عليه أن يدفع ثمن أخطائه
ــ إن الله غفور رحيم
ــ إن الله غفور رحيم لأنه قدير أما أنا فمخلوق يفتقرإلى هذه القدرة
ينظر العجوز إلى يوسف بحنان وعطف متحدثًا بلين:
ــ لابد أن يكون لك من اسمك نصيب
ــ لا أفهمك يا عمى
ــ لقد ظُلِم سيدنا "يوسف" عليه السلام من أخوته الذين ألقوه فى الجُب ومن امرأة العزيز التى تربى فى بيتها وكان بمثابة ابن لها، وافترت عليه بالكذب ورغم كل ذلك سامحهم
ــ لسـت نبيًا
ــ لقد أنزل الله قصص الأنبياء لتكون عبرة لنا نتعلم منها دروس الحياة
ــ لم أنشأ نشأة دينية مثلك يا عمى فلا أفهم ما تقول
يتنهد العجوز بيأس عاقدًا حاجبيه ثم ينفرج وجهه ويعاود الحديث بحنان وعطف
ــ استمع إلى جيدًا يا ولدى قبل فوات الأوان
ــ لقد فات الأوان بالفعل
ــ إنها مازالت على قيد الحياة وربما تغادرها بعد ساعات قلائل وحينها لن يجديك الندم
ــ لقد غادرت الحياة منذ سنوات طويلة ولكنها لا تنتبه إلى ذلك
ــ لا إنها إنسان له ظروفه ومبرراته وإذا كانت قد اخطأت فهذا لا يعنى موتها
يشيح يوسف بوجهه بعيدًا، فيعيد العجوز وجهه إليه بوجه جاد:
ــ ليس هذا وقت الفلسفة؛ إنها على فراش الموت لقد اتصلت بى ولم أصدق أذناى حينما سمعت صوتها؛ بدا لى صوت من العالم الآخر وكل ما نطقت به "أريد أن أرى ولدى" وبعدها حادثنى زوجها وأخبرنى أنها مريضة بفشل كُلوى وتنتظر ساعة الخلاص
ــ إنها تخدعك بادعائها المرض
ــ اتق الله يا ولدى إن صوتها ينبئ عـن مرض شديد
ــ لقد سمعت صوتها فهل رأيتها؟!
ينظر العجوز إليه نظرة تردد ثم يستجمع شجاعته قائلًا: "نعم رأيتها"
ــ ماذا؟!
ــ وليتنى لم أرها لقد صارت هيكلًا عظميًا خاليًا من كل معانى الحياة كل ما يربطه بها أنفاس زائفة ألا يكفى ما تعانيه؟!
ــ إذن ذهبت لتلقاها وتحدثت إليها وأنت الآن تريد إقناعى بما اتفقتما عليه
ــ لقد قابلتها مرات عديدة وأحرقت قلبى دموعها بسبب صدك ورفضك لها ترفـق بها يا ولدى
ــ ولماذا لم تترفق هى بى؟! لماذا تركتنى ورحلت حينما كنت أحتاج إليها؟!
ــ أخطأت وقد نالت جزاءها يكفيها ما عانت فى هـذه الحياة
ــ اذهب إليها وقل لها أنتِ الآن تحصدين ما زرعتِ من قبل
ينصرف يوسف بينما يتنهد مختار بحزن شديد ويأس
!!!!!!
#نقاش_دوت_نت
الشطرنج، يوسف، امرأة العزيز، الغليون
